ذكر مدينة طبرق المؤرخ البيزنطي بروكوبيوس القيصري في كتابه ( العمائر ) في القرن السادس الميلاد عندما أورد فيه قائمة بالأعمال والمنشآت العامة التي أنجزت في عهد الإمبراطور يوستنيانوس في الفترة مابين 527 - 565 ، ويذكر بروكوبيوس أن هذا الإمبراطور أقام فيما أقام تحصينات في أنتيبيرجوم Antipyrgum أي انتيبيرجوس ، ولا يزال أحد جدران هذه التحصينات قائماً إلى اليوم .
وفي العهد الإسلامي الذي حل بطبرق منذ عام 642 حرف أسمها القديم إلى انطيبيرقة ، ثم حرف مرة أخرى بتوالي الأيام إلى طبرق كما تنطق الآن .
وطبرق مدينة بوجودها إلى مينائها الواسع العميق ، وهو الميناء الطبيعي الوحيد في كل ساحل كورينايكا ، وقد أفاض الرحالة والجغرافيون والعسكريون في الإشادة بميناء طبرق ، ومنهم من يقارنه بموانئ الإسكندرية في مصر ، وسيراكيوزا في صقلية بايطاليا ، وبنزرت في تونس ... بل منهم من يفضله عليها ويعتبرها أفضل ميناء في شمال أفريقيا فيقول الرحالة الألماني جيرهارد رولفي ( 1831 - 1896 ) في كتابه ( رحلة من طرابلس إلى الإسكندرية ) .
وإن نظرة نلقيها على خريطة أفريقيا تبين لنا ولا شك أن البمبة وطبرق هما الميناءان الوحيدان الطبيعيان المناسبان على الشاطئ الممتد بين الإسكندرية وحلق الواد " جوليتا " حيث ترسوا السفن آمنة من جميع العواصف وعلى الدوام كانت الملجأ الوحيد للسفن الموجودة في عرض البحر في المنطقة ، إذا ما ساءت الأحوال الجوية .
وفي العهود القديمة كان الحجاج من ليبيين وإغريق يتجمعون في طبرق من كل أنحاء العالم القديم ، ثم يرحلون براً عبر الجغبوب إلى سيوة Ammonum الذي اتحدت عبادته مع الإله الإغريقي وأصبح يطلق عليه زيوس – آمون إلهاً مشتركاً لليبيين والإغريق وفي العهد التركي صارت طبرق مديرية ، وشيدت بها قلعة دفاعية أطلق عليها أسم " الناظورة " لأنها أعلى مكان في المنطقة ، ووقعت عندها معركة شهيرة ضد الغزاةالإيطاليين . كما شيد بها قصر مقر المديرية هدم مؤخراً ، ولم يعد له من أثر ، والمعروف أن إزالة الآثار والمباني القديمة هو محو لتاريخ أية منطقة وأخفاء لشواهد ماضيها وعراقتها .
كما شيد بطبرق عام 1880 مسجد جامع ، أزيل هو الآخر موخراً ، واقيم في مكانه مسجد طبرق العتيق القائم حالياً ، وفي عام 1897 جاءت هجرة من كريت إلى طبرق ، حينما نقلت السلطات التركية عدداً من العائلات المسلمة إلى بعض المدن الليبية مثل درنة وسوسة وبنغازي أيضاً لإنقاذها من الاضطهاد الصليبي.
جاء اسم مارماريكا من اسم قبيلة ليبية قديمة ذكرت لاول مرة عند المؤرخ الإغريقي سكولاكي في القرن الرابع ق.م ( 320 ف.م ) ثم تكرر ذكرها عند سترابو وديودورس الصقلي وبلينيوس وبطلميوس الجغرافي ، وذكروا أنها تسكن المنطقة مابين أبيس ( زاوية أم الرٌخم عند الكيلو متر 9 غرب الإسكندرية ) شرقاً وكيرسيس ( كرسة غرب درنة بمسافة 24 كيلو متراً ) غرباً واسم مارمايكا يتكون من مقطعين هما مارماريداى ، اسم قبيلة المارماريداي ، وكا Ca وتعني أرض أو اقليم ، وبهذا فإن معنى مصطلح مارماريكا يعني أرض أو اقليم المارماريداي .
وعندما تولى الإمبراطور ( قلديانوس ( 284 – 305 ) أصدر مايعرف بإصلاحات قلديانوس الإدارية التي قضت بتقسيم الإمبراطورية إلى ولايات قسم كورينايكا إلى ولايتين ، الأولى ليبيا السفلى أو ليبيا الجافة وتتضمن ماريكا والثانية هي ولاية ليبيا العليا أو البنتابوليس ) Pentapolis المدن الخمس أو الجبل الأخضر وصارت بارايتونيوم ( مرسى مطروح ) عاصمة هذه الولاية ثم نقلت إلى دارنس ( درنة ) وأصبحت المنطقة الممتدة من زاوية أم الرخم إلى السلوم ضمن الحدود المصرية ، بينما تم تقسيم بقية مارماريكا إلى منطقتين هما دفنة من السلوم إلى طبرق والبطنان من طبرق إلى وادي بالفرايس .
وفي العهد الإيطالي عاد اسم مارماريكا للظهور ، ولكن حدوده انكمشت وتقلقلت كثيراً إلى محافظة درنة وتشمل متصرفية طبرق .. ثم سُميت هذه المتصرفيه باسم شعبية البطنان .
ولقبيلة مارماريكا قصة طويلة في مقاومة الاستعمار الإغريقي والروماني والبيزنطي .. وقد كانت حروب المارماريداي Bellum Marmaricum من أبرز الأحداث في العصر الروماني .. وقد أعاد التاريخ نفسه عندما تصدت قبائل مارماريكا لقوات الغزو والعدوان الإيطالي في الفترة من 1911 م إلى 1934 م ويكفي مارماريكا شرفاً أنها أنجبت شيخ الشهداء عمر المختار الذي ولد بقرية جنزور .
وصارت طبرق وهي عاصمة إقليم مارماريكا ويلاحظ أن البطنان استغرقت دفنة ، وأصبح الإقليم كله يعرف باسم البطنان مرادفاً لمارماريكا .
أما من الشمال إلى الجنوب فإننا نجد الساحل فالأرض العشرية ، ثم منطقة الدفنة ، ثم الصحراء .
وتحدث عن طبرق وماحولها عديد المؤرخين والجغرافيين والرحالة وبالإضافة إلى من ذكرنا .. ونضرب لهم مثلا بكل من ابن سعيد في رحلته ( بسط الأرض بالطول والعرض ) وابن رشيد في رحلته طريح شرف كتابه ( جغرافية ليبيا ) وسعيد خيرالله صالح في كتابه ( طبرق ) ومن بين مالاحظوه أنها ترتفع عن مستوى سطح الأرض بما لا يزيد عن 46 متراً ، ومتوسط كميات الأمطار فيها 178 مم / السنة ، ومتوسط معدلات درجات الحرارة 19.7 درجة ، ومناخها شبه صحراوي وصيفها حار جاف ، وشتاؤها دافئ ممطر وهو مناخ البحر المتوسط وإن كانت تتعرض لرياح موسمية هي رياح القبلي الحارة القوية المحملة بالغبار ( العجاج ).
معلومات وإحصاءت
من الاحداث الكبرى التي عرفتها منطقة طبرق هي هجرة قبائل بني هلال وبني سليم بداية من عام 1050 التي عربت المنطقة تعريباً يكاد يكون كاملا وإلى الحرب العالمية الثانية ( 1939 – 1943 ) حيث تبادل الهجرات يعود أغلب القبائل الموجودة فيها الأن . وكانت هذه الهجرات قد أنطلقت من منطقة نجد بالجزيرة العربية ، واتجهت إلى العراق ، ثم عبرت بادية الشام إلى الأردن ثم استقرت في جنوب مصر ، ولما ثار ابن باديس على الفاطميين الذين استخلفوه على شمال أفريقيا عند غزوهم لمصر وقطع الدعاء للخليفة الفاطمي على المنابر وأرادوا الانتقام منه وجهوا هذه القبائل لمهاجمته وانساحت هذه القبائل حتى المحيط الأطلسي ، ومنها من عبر الصحراء إلى أواسط أفريقيا .
واهتم الاتراك أهتماماً معبراً بمنطقة طبرق ، وزار طبرق الاسطول الفرنسي بقيادة نابليون بونابرت أثناء الحملة الفرنسية على مصر وأراد أن يحولها إلى نقطة تجمع برية لمهاجمة مصر ولكنه فشل في هذا المسعى فشلاً ذريعاً احتل الإيطاليون طبرق في غزوهم لليبيا عام 1911 م . وكانت طبرق أول مدينة في ليبيا شرع في قصفها وتم في ذلك العهد مد خط للسكة الحديدية بين طبرق والسلوم وما وراءها ، ولكن هذا الخط أزيل للأسف الشديد وتم فيما بعد بيعه خردة وصدر إلى الخارج .
أعلنت الحرب العالمية الثانية عام 1939 عندما بدأ الإيطاليون هجومهم على مصر باحتلال السلوم في 15 . 1. 1940 م وواصلوا تقدمهم حتى سيدي البراني ، ثم لعبت دوراً كبيراً هذه الحرب العالمية عليها الحلفاء والمحور عدة مرات .. عندما قام الطيران البريطاني بغارات على سيدي البراني والسلوم والبردي يوم 15. 1. 1940 ، وتكررت يوم 21. 11. 1940 وفي 3. 1. 1941 م بدأت القوات البريطانية هجومها على برقة وركزت هجومها على البردي حيث كان يوجد بها 45,000 جندي إيطالي تحت قيادة الجنرال أنيبالي بيرجونزولي .. وسقطت البردي في 5. 1. 1941 م في أيدي القوات البريطانية ، ثم اسر 40,000 جندي إيطالي واستولت القوات البريطانية على 129 دبابة خفيفة وأكثر من 700 وسيلة نقل ، و462 قطعة مدفعية .. وكان هذا ايذاناً بالهجوم البريطاني المضاد الأول فتراجع الإيطاليون حتى أصبحت برقة بكاملها في يد القوات البريطانية ، وعندها تدخلت القوات الألمانية ، فأخذ البريطانيون في الانسحاب حتى العلمين ، وتم حصار طبرق وفي يوم 12. 4. 1941 وفي هذه الفترة تعرضت خلال ثلاثة اشهر فقط من عام 1941م إلى حوالي 1000 غارة جوية قامت بها طائرات الطرفين حيث كانت عمليات القصف الجوي والبحري والبري متصلاً ومتوتراً حتى أن مدنا برقاوية بكاملها زالت من الوجود ونال الضرر البشر والشجر والحجر رغم أن الليبيين ليسوا طرفاً في تلك الحرب ولا ناقة لهم فيها ولا جمل .
احتلت قوات المحور ميناء البردي أثناء تقدمها نحو مصر .. ثم عادت إليها حامية إيطالية ، ولكنها حوصرت فاستسلمت يوم 2. 1 . 1940م عندما قام الهجوم البريطاني المضاد الثاني الذي استعاد برقة بكاملها وفي يوم 21. 1. 1942 بدأ رومل هجومه المضاد الذي احتل فيه طبرق يوم 21. 6 . م1942 وتقدم نحو مصر وفي 11. 11 . 1942م بدأ الهجوم البريطاني المضاد الثالث باحتلال البردي ثم ملاحقة قوات المحور في تقهقرها حتى تونس بعد أن أنتهت الحرب بهزيمة المحور عام 1943م وتخلصت ليبيا من الاستعمار الإيطالي تحولت طبرق إلى ميناء نفطي ميناء الحريقة الذي ينقل إليه من حقل السرير على بعد أكثر من 600 كيلو متر جنوباً ويعززه مطار جمال عبدالناصر الذي كان قاعدة عسكرية بريطانية باسم مطار العدم ، ثم إجلاؤهم عنها في 28 مارس م1970 .
ونظراً لوجود مواقع كثيرة من أكبر معارك الحرب العالمية الثانية مثل عين الغزالة وبئر الغبي ، وبئر حكيم ، وسيدي رزق ، وعكرمة ووجود العديد من مقابر الحرب العالمية الثانية وكثبان الرمال الجميلة وما تتمتع به منطقة طبرق من مقومات وعناصر الجذب السياحي من أزياء وأكلات وفنون وبيئة متميزة فإنه يمكن بسهولة ويسر تحويلها إلى منطقة سياحية وتتحول شواطئها إلى سلسلة متصلة من المصائف والمشالي التي تغص بالسائحين الباحثين عن الشمس والبحر والرمال والهدوء والنظافة والضيافة تنافس اشهر وأكبر المناطق السياحية في العالم...........